هل يمكن أن يعيد الإيمان العميق صاحبه إلى الحياة بعد أن اقر الأطباء انه ميت لا محالة خلال ساعتين أو ثلاث ساعات؟ هل يمكن أن يعيش الإنسان بعد أن يرفع الطب يديه مستسلما لما أطلقنا عليه القدر المحتوم وساعة الموت الآتية بدون أدنى شك ومهما طال بنا العمر؟
|
لا اخجل برواية تفاصيل ما حصل لي |
القصة التالية ترد على هذا السؤال بالإيجاب، وتقول انه لا مستحيل هناك، وان قوة الأرواح الإيمانية لا تعادلها قوة، خاصة إذا ما كانت نابعة من إرادة فائضة بحب الحياة الأهل الأبناء والأصدقاء.
استمعت لهذه القصة أكثر من مرة من صاحبها، ردد تفاصيلها لآخرين أمامي ما لا يقل عن أربع مرات خلال فترة قصيرة، ما جعلهم يرفعون حواجبهم مستغربين، لما حصل له قبل عشرة أعوام، عندما اشرف على الموت في أعقاب حادث طرق وعاد إلى الحياة ليعيش حتى يومنا هذا.
صاحب هذه القصة، أو بطلها كما اعتدنا أن نقول في مثل هكذا أحاديث، يبلغ حاليا الثالثة والسبعين من عمره، قصته مع الموت ابتدأت قبل عشرة أعوام، كما ردد أمامي، متوجها إلي والى آخرين مكثوا معنا، كان ذلك بعد أن تعرض لحادث طرق مروع أوشك أن يقضي عليه لولا رحمة من الله.
عندما سألته عما إذا كان يريد أن اكتب قصته باسم مستعار، هتف بي قائلا، ولماذا تكتبها باسم مستعار؟ أنا لا اخجل برواية تفاصيل ما حصل لي، وقد رويتها أمامك وأمام آخرين أكثر من مرة، اكتبها باسمي أنا غازي أيوب، أبو أيوب من مدينة الناصرة.
حادث الطرق الذي وقع لأبي أيوب، كان قبل نحو العشرة أعوام، يومها كان يقود سيارته بهدوء، وكما يحصل في كثير من حوادث الطرق، في ثانية، في غفلة من الوقت، وجد سيارته تصطدم بسيارة أخرى، قال: أول ما فعلته كان أنني لم أقم بفرك عيني، لأنني كنت اعرف أنني سأمزقهما إذا ما فعلت بشظايا الزجاج فيهما، ما أن وصلت إلى المستشفى وأنا في حيرة من أمري ومما وقع لي بهذه السرعة، حتى تبين لي أن عيني سالمتان وإنني أرى فيهما وان الشظايا اختفت منهما.
وصل أبو أيوب إلى المستشفى وهو يشعر أن عظام فخذه الأيسر، قد تحطم، وكاد كل من أجزائه لينغرس فيما حوله من لحمه، الصورة قالت هذا أيضا، كما قاله الانتفاخ الشديد فيه، إلى حد التحجر، فيما شعر بان ساق قدمه اليسرى باتت باردة وكأنما هي ماتت، عندها توجه إلى الطبيب سائلا إياه عن وضعه، فحاول هذا أن يطمئنه، وهو يولي، عندا شعر بان الطبيب يتحدث لآخرين من المرضى عنه، فتوجه إليه قائلا انه إذا كان لديك ما تقوله عني قله لي مباشرة.
الصورة أظهرت فيما بعد انه يوجد في قدم أبي أيوب خمس جلطات، الطبيب قال له انه يوجد لهذه الجلطات واحدة من ثلاث محطات، أما الرئتان أو القلب أو المخ، وأشار إليه قائلا انه لا يوجد في المستشفى مصفاة يمكنها إنقاذ حياته، وتوجه الطبيب إلى ذوي أبي أيوب طالبا منهم أن يعدوا البيت كما قال لحادث غير مرغوب فيه، من كان عند مصابنا بكى.
|
تصورت نفسي ماضيا على ارض من التراب |
قال أبو أيوب وأضاف يقول، ما حصل بعد ذلك هو أنني تذكرت أنني ودعت ابنتي قبل انتقالها للعيش مع زوجها الجديد في حينها المقيم في كندا، وقلت لها إنني رجل كبير وقد لا أراها أو تراني مرة أخرى، فشرعت ابنتي في البكاء ومضت في طريقها، عندما تذكرت هذا الموقف فاضت عيناي ببكاء مر، وأخذت ابكي وكأنما أنا لم ابك في السابق.
بيد أن ما حصل بعدها هو أنني قلت لنفسي وعلام البكاء؟ أليس من الأفضل لي أن اهرع إلى الصلاة وأنا رجل روحاني، وسبق وعالجت بها آخرين؟ هكذا وجدتني اضرع إلى الله طالبا منه أن يمنحني المزيد من العمر فمن يعلم فقد التقي بإبنتي مرة أخرى بعد أن ودعتها في طريقها إلى الغربة.
ما أن شرعت في الصلاة والتضرع إلى الله حتى تصورت نفسي ماضيا على ارض من التراب الأحمر، مددت يدي إلى ملابسي لم تكن ملابس المستشفى، كانت ملابس أخرى مختلفة، عندها كنت أسير ويسير إلى جانبي شخص أخر، كانت يدي تتداخل فيه ويده تتداخل في، وفجأة توجه إلي متحدثا باللغة العربية قال لي أنا إلهك يسوع المسيح، وتناول مصفاة وضعها الأطباء بالقرب من سريري لأبول فيها وطلب مني أن أبول، أمسكت المصفاة وبلت فيها، شعرت براحة ما بعدها راحة، ووجدتني أعود إلى سريري في المستشفى، كنت ارتدي ملابس المستشفى، إلا أنني كنت ما أزال مرتبطا بسريري، والمصفاة في يدي، وضعت المصفاة جانبا، ومددت يدي إلى فخذي الأيسر، فشعرت بان الورم قد زال منه، أما ساق القدم ذاتها فقد عادت إليه سخونته وحياته، عندها ضغطت على زر كهربائي وضعه لي الأطباء لاستعماله لحظة شعوري بالحاجة للمساعدة الطبية، فهرع إلي ثلاثة من الأطباء.
توقف أبو أيوب وواصل وهو يظهر كثيرا من الانفعال، أرسلت ابتسامة إلى الأطباء، وتوجهت إلى طبيبي المعالج سائلا إياه عما قدمه إليّ من دواء، فما كان منه إلا أن ابتسم مرددا عليه ما سبق وردده وهو انه لا يوجد في المستشفى مصفاة لإيقاف الجلطات.
عندها ابتسم أبو أيوب واخبره أن الورم اختفى وان الحرارة عادت إلى ساق قدمه، عندها طلب منه الطبيب ألا يتحرك واخبره انه كان يتوقع أن يفارق الحياة خلال ما لا يزيد عن ساعتين أو ثلاث ساعات على ابعد تقدير له، يوضح أبو أيوب انه بعد هذا تبين له انه نجا من الجلطات، ويقول ربما نزلت هذه الجلطات مع البول، أما عظام ساقه فقد عادت إلى موقعها لتتكامل بها عظمة الفخذ، بدون طول سيرة، وصل الأطباء هذه العظام ببعضها بعضا بالبلاتين، وهو ما زال يعيش حتى هذه الأيام وكأنما لم يحصل له ما حصل ولم يتهدد حياته شبح الموت، ومفارقة الأحباء الأبناء والأصدقاء.